تنمية بشرية

ما هو ذكاء التكيف؟

تستمر أنماط العمل في التغيير في حركة ديناميكية، حيث لم تعد أنواع الذكاء التقليدي كافية لتحقيق النجاح، فهل ذكاء التكيف هو الفرصة الحقيقية لتحقيق النجاح في الحياة المهنية في عالمنا المعاصر؟

نظرة عامة على ذكاء التكيف

في السابق كان تحديد مستوى نجاح شخص ما مهنيا يعتمد على اختبار الذكاء الذي يحدد مدى قوة الذاكرة والقدرات الحسابية وكذلك التفكير التحليلي، بالتالي إمكانية توقع نجاحه في العمل في المستقبل.

مع ذلك في الفترة الأخيرة بدأ الاهتمام يتوجه نحو الذكاء العاطفي، الذي يرتبط بالقدرة على بناء العلاقات، التواصل مع الآخرين، التحكم في المشاعر، القدرة على التعبير، حيث يساهم الذكاء العاطفي في تحقيق النجاح بشكل كبير في جوانب عديدة في الحياة، ولا يقتصر على الحياة المهنية فقط.

لا مجال للشك في أهمية الدور الذي يلعبه الذكاء العاطفي والذكاء التقليدي في تحقيق النجاح في الحياة المهنية، لكن في الوقت الراهن زاد التطور التكنولوجي في مجالات العمل المختلفة، تطورت معه متطلبات ومهارات النجاح المطلوبة في السوق العمل.

وهنا بدأ الحديث عن ذكاء أهم، هو عبارة عن القدرة على التكيف يتم قياس الذكاء هذا بمجموعة من الصفات الشخصية، تمكن الفرد من مواصلة العمل، رغم تحديات البيئة والتغيرات المتسارعة، وتمنحه القدرة على تحقيق النجاح.

أهمية ذكاء التكيف في العمل

ذكاء التكيف
ذكاء التكيف في العمل

قالت نائبة رئيس بنك غولدمان ساكس في مدينة نيويورك ناتالي فراتو وهي من المهتمين بهذا النوع من الذكاء، أن الذكاء التقليدي يمكن المتقدمين من الحصول على وظائف المبتدئين، لكن القدرة على التكيف هي مقياس النجاح على المدى الطويل.

وأضافت أن هذا النوع من الذكاء لا يقتصر على القدرة على استيعاب وفهم المعلومات الجديدة، لكنه يشمل القدرة على اختيار المناسب منها وترك المعلومات الزائفة غير المفيدة، بالإضافة إلى السعي الدائم نحو التغيير للأفضل والتغلب على جميع التحديات، كذلك يتسم هذا الذكاء بالمرونة وحب المعرفة وامتلاك مهارات حل المشاكل.

الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول هذا الذكاء وعن كيفية رصده وهل توجد طريقة لامتلاكه لضمان النجاح في العمل؟

الذكاء التقليدي والقدرة على التكيف

قالت أستاذة الإدارة والريادة إيمي إدموندسون في كلية هارفارد للأعمال، إن معدل سرعة التغيير في العمل سيقلل من أهمية أنواع الذكاء التقليدية مثل الذكاء الشخصي ليتم استبدله بالقدرة على التكيف.

فقد غير تطور التقنيات أداء العديد من الوظائف بشكل كبير، حيث وضحت دراسة قامت بها شركة آي بي إم عن تكنولوجيا المعلومات في عام 2019، خلال ثلاث سنوات من المتوقع أن يكتسب حوالي 120 مليون فرد في دول الاقتصادات الكبرى الاثني عشر مهارة جديدة نتيجة لميكنة الكثير من الوظائف.

يقول ديف كوبلن وهو المدير التنفيذي في إنفيجنرز أن ميكنة أي عمل هو أمر سهل حيث يعتمد على تسجيل نمط البيانات، مثل الطبيب الذي يشخص المرض استنادا على الأعراض أو المحامي الذي يستعين بالوثائق القانونية، حيث تتميز الخوارزميات ونظم الحوسبة بقدرة عالية على تنفيذ العمل بدقة أفضل من الإنسان وبسرعة.

ولكي يتمكن الموظف من الحفاظ على دوره يحتاج لاكتساب مهارات جديدة تواكب التطوير وتساعده على التواصل والفهم، بالإضافة إلى الحدس الإنساني الذي لا تمتلكه الآلة.

فبعد أن أصبحت الآلة تستطيع عمل 30% من المهام التي يقوم بها الإنسان، يتوجب على الإنسان السعي في اتجاه لا تستطيع الخوارزميات القيام به.

هل التكيف مهم لكل المهن؟

التكيف ضرورة جميع المهن والوظائف

التكيف سيصبح ضرورة لجميع المهن مع التمتع بالمرونة ويشمل العمل المصرفي والفنون، كذلك الأمر المحاسب يساعده الذكاء الحسابي على النجاح في الاختبارات التي تؤهله لهذه الوظيفة.

ثم يبدأ دور التكيف في تنمية مهارة التواصل الفعال داخل منظمة العمل وتكوين علاقات مع فريق العمل والعملاء، في هذه الحالة يتمكن الفرد من مواكبة التطور، حين تتغير أنظمة العمل وتحل محلها الميكنة، يستطيع الموظف الاستفادة من قدرته على التكيف وأداء العمل المطلوب بطرق متنوعة.

تتكامل أنواع الذكاء الثلاثة معا لتحقيق النجاح، وتساعد من يمتلكها على تخطي العقبات لا سيما ذكاء التكيف، حيث يعتبر المرشح مثالياً عند التمتع بهم.

وعلى الرغم من أهمية التكيف يوجد عباقرة غير مبدعين، فلا يتمتع الجميع بهذا الذكاء، لكن عدم امتلاك الذكاء مع التمتع بالمرونة والقدرة على التكيف، يجعل الفرد يجد صعوبة في اتباع وسائل جديدة في العمل واستغلال المهارات التي يمتلكها، لأن ضعف القدرة على التكيف يقلل من القدرة على اكتساب المهارات.

أهمية المهارات السلوكية

بدأت مؤخرا الشركات تبحث عن الأشخاص القادرين على التكيف، أثبتت دراسة آي بي إم أن حوالي 5670 من المديرين في العالم يعتبرون أن المهارات السلوكية هي الأكثر أهمية في العمل.

يأتي في مقدمة هذه المهارات التكيف مع التغيرات السريعة والمرونة في العمل، حيث يقول استشاري الموارد البشرية ويل غوزلينغ في مؤسسة ديلويت إنه لا توجد طريقة قياس محددة للتكيف مثل الذكاء التقليدي.

فقد أدركت الشركات أهمية القدرة على التكيف، وبدأت توظف العاملين لديها على أساس هذا الأمر، وأصبحت ديلويت تعتمد نماذج محاكاة لمواقف افتراضية تضع المتقدم للوظيفة في مواقف مشابهة لتحديات العمل، وتشمل نموذجاً عن كيفية تحفيز الزملاء للانضمام لحدث رياضي تقيمه الشركة.

وتبحث هذه الشركات عن الأشخاص الذين لديهم القدرة على أداء مهام متعددة في أماكن وقطاعات مختلفة جغرافيا، الأمر الذي يوضح مدى مرونة الموظف وسرعته في التعلم.

مظاهر القدرة على التكيف

اقترحت فراتو ثلاثة مظاهر توضح ما إذا كان يتمتع المتقدم بذكاء القدرة على التكيف وهي:

  • القدرة على تحديث المعلومات واستبدال القديمة والتغلب على الافتراضات.
  • القدرة على تخيل سيناريوهات مختلفة ووضع كل الاحتمالات.
  • التمتع بالشغف مع حب الاستكشاف واكتساب الخبرات.

وتضيف أنه لا توجد إلى الآن وصفة محددة للقدرة على التكيف، لكن تساعد هذه الأسئلة مسؤولي التوظيف في البحث عمن لديه القدرة على استيعاب هذا الذكاء.

وتقترح فراتو استخدام هذه الأسئلة في الشركات الناشئة التي تبحث عن الاستثمار، مع مراعاة أن الشركات تمر بمراحل مختلفة، ولا تستطيع استخدام منهج واحد، بل تحتاج إلى التغيير لتلبية متطلباتها الوظيفة، وأن يستوفي المتقدم من 30-50% من المهارات المطلوبة.

صعوبة قياس القدرة على التكيف

يقول الخبراء إنه على الرغم من صعوبة قياس القدرة على التكيف وتعذر تحديده بدقة، إلا أن الأمر جيد، حيث يمكن للفرد تطوير نفسه والعمل على زيادة الذكاء التكيفي لديه.

وتقول بيني لوكاسو التي تعمل في شركة بي كيندرد لمساعدة الأفراد على التكيف، إن البعض يمتلك شخصية تسعى دائما للمعرفة والتطور الأمر الذي يفسر سبب أنه أفضل من غيره في التكيف، لكن مع مرور الوقت قد تقل قدرتهم على التكيف إذا توقفوا عن البحث والتعلم وتحدي المألوف.

زيادة التكيف

حب المعرفة والإقدام والتركيز تساعد على زيادة ذكاء التكيف
حب المعرفة والإقدام والتركيز تساعد على زيادة ذكاء التكيف

اقترحت لوكاسو ثلاثة طرق تساعد على تعزيز القدرة على امتلاك ذكاء التكيف:

  • تعلم التركيز على المطلوب تغييره وتجنب كل ما يمكن أن يشتت الانتباه.
  • تعلم الإقدام والقدرة على توجيه أي أسئلة مهما كانت صعبة مثل الطلب بزيادة الراتب.
  • حب المعرفة والشغف بها عن طريق كثرة الأسئلة والحديث لاستخلاص الإجابات الصحيحة، بدلا من الاعتماد على جوجل الذي يقلل من قدراتنا على حل المشكلات.

وفي حديث له اقترح المحاضر أوتو شارمر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلف كتاب يتحدث عن التعلم من عدة وسائل منها المستقبل الناشئ، بضرورة الحفاظ على الذهن المتفتح لكل الاحتمالات الجديدة، كذلك القدرة على استيعاب وجهات النظر المختلفة وتقبل الجديد المجهول.

مع تغير شكل العمل بسبب تطور التكنولوجيا نحتاج إلى امتلاك ذكاء التكيف للعمل بنفس سرعة وتيرة التطور ويمكننا الاستعداد لذلك الآن، حيث تقول إدموندسون إن المهمة الأصعب هي أن يتعلم الفرد كيف يتعلم، لأن القدرة على التغيير، التعلم، النمو والتجربة هي الأهم في مجال ذكاء الأعمال.

المراجع:

قد يهمك أيضا علامات تدل أنك أكثر ذكاء من الآخرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!