
خلال القرن الثامن عشر، في أوروبا، وتحديدًا في بولندا، ظهرت حركة دينية يهودية جديدة تتبنى التصوف الشعبي، على يد “بعل شيم طوف”. سمي هذا الاتجاه بـ الحسيدية، وسميت كذلك نسبة إلى كلمة “حسيد” التي تعني في اللغة العبرية “التقي”. وكونها حركة أو اتجاه دينياً جديداً. فلم ترحب بها الاتجاهات التقليدية، فعارضه رجال الدين اليهودي، نظرًا لانضمام العديد من اليهود إليها.
- الحسيدية مذهب يهودي صوفي شعبي وهو مشتق من الكلمة العبرية “حسيد” التي تعني “تقي”.
- بسبب التشدد الذي مارسته المرجعيات الدينية اليهودية في شرق أوروبا وإجبار اليهود على قضاء وقت كبير في دراسة العلوم الدينية اليهودية نشأ المذهب الحسيدي أو المجتمع الحسيدي.
- قامت هذه الحركة بالتقليل من أهمية التعاليم الدينية. كما قاومتها ورأت أن التوسع في دراسة العلوم الدينية يجب أن يقتصر على الحاخامات، وليس عامة اليهود.
- يعتبر مارتن بوبر وهو مفكر يهودي ألماني أحد أعمدة انتشار المذهب الحسيدي؛ بسبب كتاباته والمقالات التفسيرية التي نشرها.
انضم إلى هذه الحركة الجديدة ما يقرب من نصف يهود شرقي أوروبا، في وقت قياسي. كما برز اسم “مارتن بوبر” لكتاباته حول هذه الحركة، التي كان من بينها كتابه “الحسيدية والإنسان المعاصر”.
قائمة المحتويات
انتشار الحسيدية
مارتن بوبر هو مفكر يهودي ألماني. لم يعترف بوبر بضرورة تطبيق الشرائع اليهودية الكلاسيكية، كما لا يؤمن باليهودية الحاخامية. وعلى الرغم من ذلك، فهو يعد من المفكرين اليهود البارزين في القرن العشرين. ومن أهم مؤلفاته، كتاب “أنا وأنت”، الذي عبر عنها بواسطة فلسفته الصوفية. كما أن له كتابات تدعو إلى ضرورة السعي لتحقيق السلام بين العرب واليهود.
يعد مارتن بوبر هو السبب الرئيسي في شهرة المجتمع الحسيدي والحركة الحسيدية، وزيادة الوعي بها في الثقافات الغربية. إلى جانب بوبر، سعى الكثير من اليهود إلى نشر هذه الحركة والتعريف بها، لكن بوبر هو أكثرهم مساهمةً في نشرها.
ويعرِّف بوبر حركته على أنها: مذهب صوفي مجتمعي يقدر قيمة الحياة والمجتمع. حيث يذكر في كتابه أن الإنسان من غير الممكن أن يقدس الرب، طالما أنه لم يقدس العالم. وكان لدى بوبر إيمان بأن الحسيدية هي يهودية حقيقية، وأن الربانية التي كان اليهود يتبعونها ما هي إلا يهودية مزيفة.
ونشر بوبر العديد من المقالات التفسيرية التي تخدم هدف التعريف بالحسيدية كجوهر الديانة اليهودية. ومن أمثلة هذه الكاتبات “حياة الحسيدية” و”تعالى بعل شيم طوب” وطريق الإنسان”.

ماذا أضافت كتابات بوبر إلى المجتمع الأوروبي؟
تبنت كتابات بوبر توضيح فكرة المذهب الحسيدي وترسيخ فكرة نقائه. كما تبنت كتاباته إيضاح الفروقات بين الأساطير وبين ما يمثله المذهب الحسيدي. وخلاصة هذه الكتابات تشير إلى أن الديانة اليهودية لم تتأثر بالفكر الأوروبي الحديث، الذي يؤيد أن السبب في التطور الإنساني هو الإنجازات العلمية البحتة.
مفاهيم الشخصية من خلال المذهب الحسيدي
من خلال ما كتبه بوبر تحت عنوان “طريقي إلى الحسيدية” في عام 1918، أوضح بوبر أن المجتمع الحسيدي هدفها المناغمة بين الاختلافات الروحية والاجتماعية للمجتمع الشعبي. وذلك لإنتاج مجتمع شعبي لا يفصل بين الإيمان والعمل ولا بين الأخلاق والسياسية.
وذاع صيت بوبر عندما نشر “حكايات الرابي نحمان” في عام 1906، ولكنه لم يكن شخصية مغمورة قبل ذلك. بل كان مشهورًا أيضًا لكونه يهودياً معادياً للصهيونية.
مؤلفات بوبر قبل الحرب العالمية الأولى
عبّر بوبر عن أفكاره عن الحسيدية من خلال كتاباته، كما كان يعتقد أن الأدبيات التقدمية ومصنفات التنوير الأوروبي أثرت على أفكار اليهود الأوربيين خلال محاولتهم تحديث اليهودية، بل ووصف هذه المحاولة بأنها محاولة ضعيفة للإصلاح.
فأعرب بذلك عن معارضته للتنوير. لأنه يرى أن الإصلاح الديني في الفكر الأوروبي يتعارض مع الشرقية اليهودية، كما يشرح بوبر روح حركته في كتاباته من منطلق ارتباطه بالعصور الوسطى. ويقول إن الحسيدية لا تتعارض مع التجديد، وأن انحلال هذه الحركة سيؤدي إلى تعطيل حركة الروح.
تأثير الحسيدية على بوبر
أثرت الحركة والمذهب على أفكار بوبر، فكان يتحدث عن المجتمع الحسيدي في إطار تاريخي. ونبعت أفكار بوبر من الأدب الحسيدي، ومن معرفته بالأجيال الخمس الأولى.
الأدب الحسيدي: هو أدب شبيه بالأدب الشعبي يحتوي على قصص وروايات. ويعتمد عليه مارتن بوبر في إيضاح أفكاره من خلال جذب المتلقي عبر استخدام فن الحكاية.
الانتقادات التي وُجهت لمارتن بوبر
وجهت العديد من الانتقادات لأعمال مارتن بوبر المختلفة، وذلك لأنه ركز على القصة في الأدب الحسيدي، كما تجاهل العديد من المحاور الفلسفية المهمة الأخرى في الأدب الحسيدي. ووصف منتقدو بوبر أعماله بأنها أعمال رومانسية. كما وجهت له الانتقادات لكونه تجاوز شرائع اليهودية الكلاسيكية، لكن بوبر كان يعتقد أن التدين الحقيقي يتخطى الشرائع والعقائد والتلمود والتوراة.