موجز وملخص حياة نيلسون مانديلا، من السجن إلى الرئاسة

يعتبر نيلسون مانديلا، الذي عرفه شعبه بمحبة باسم “ماديبا”، أحد أعظم الشخصيات في التاريخ المعاصر، فهو ليس مجرد رئيس سابق لجنوب إفريقيا، بل رمز عالمي للمقاومة، والمصالحة، وقدرة الروح البشرية على التسامح بعد عقود من الظلم. يقدم هذا المقال ملخص حياة نيلسون مانديلا بشكل شامل، مستعرضًا رحلته الملحمية من طفل في قرية ريفية إلى سجين سياسي قضى 27 عامًا خلف القضبان، ليخرج ويقود بلاده نحو فجر جديد من الحرية والديمقراطية.
قائمة المحتويات
1. النشأة الملكية وبذور الوعي الأولى
وُلد روليهلاهلا مانديلا في 18 يوليو 1918، في قرية مفيتزو الصغيرة بمقاطعة ترانسكاي. يحمل اسمه الأول “روليهلاهلا” بلغة الكوسا معنى “جاذب المشاكل”، وكأنه كان ينبئ بمستقبله الثوري. كان ينتمي إلى السلالة الملكية لقبيلة ثيمبو، وقد تم إعداده ليكون مستشارًا لقادة القبيلة.
- التعليم كأداة للتحرر: كان مانديلا أول فرد في عائلته يرتاد المدرسة، حيث أطلقت عليه معلمته اسم “نيلسون”. واصل تعليمه في مؤسسات مرموقة مثل كلية كلاركبيري وجامعة فورت هير، التي كانت آنذاك مركزًا فكريًا للمناضلين الأفارقة. هناك، بدأ وعيه السياسي يتشكل وهو يرى حجم الظلم الواقع على شعبه.
- الهروب إلى جوهانسبرج: هربًا من زواج مدبر، انتقل مانديلا إلى جوهانسبرج، المركز الاقتصادي النابض بالحياة في جنوب إفريقيا. هناك، شاهد عن قرب وحشية نظام الفصل العنصري (الأبارتيد).
2. فهم نظام الأبارتيد: أساس النضال
لفهم نضال مانديلا، يجب فهم نظام الأبارتيد الذي كان يحاربه. لم يكن مجرد تمييز عنصري، بل كان نظامًا قانونيًا ومؤسسيًا متكاملًا فرضته حكومة الأقلية البيضاء منذ عام 1948، ويهدف إلى:
- الفصل المكاني: إجبار السود على العيش في مناطق معزولة تُعرف بـ “البانتوستانات”.
- الحرمان من الحقوق: تجريد السود من حق التصويت، والملكية، وحرية التنقل (عبر “قوانين المرور”).
- التمييز الاقتصادي والاجتماعي: تخصيص أفضل الوظائف والخدمات الصحية والتعليمية للبيض فقط.
3. الانخراط في المقاومة وتأسيس “رمح الأمة”
في مواجهة هذا النظام القمعي، لم يجد مانديلا بدًا من النضال المنظم.
- صعوده في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC): انضم مانديلا للحزب عام 1944 وشارك في تأسيس “عصبة الشبيبة”، التي ضخّت دماء جديدة في الحزب ودفعته نحو مواقف أكثر جذرية.
- من النضال السلمي إلى الكفاح المسلح: في البداية، تبنى مانديلا استراتيجية المقاومة السلمية، لكن “مذبحة شاربفيل” عام 1960، التي قتلت فيها الشرطة 69 متظاهرًا سلميًا، كانت نقطة تحول. أدرك مانديلا أن النظام لن يستجيب إلا للقوة.
- تأسيس الجناح العسكري: بعد حظر الحكومة لحزب المؤتمر، شارك مانديلا في تأسيس جناحه العسكري “رمح الأمة” (Umkhonto we Sizwe). ركز الجناح العسكري على استهداف رموز اقتصادية وعسكرية للنظام لتجنب إراقة دماء المدنيين.
4. المحاكمة والسجن: 27 عامًا من الصمود
أصبح مانديلا “الزهرة البنفسجية السوداء”، الرجل الأكثر ملاحقة في جنوب إفريقيا.
- الاعتقال ومحاكمة ريفونيا: في عام 1962، تم القبض عليه، وبعد فترة وجيزة، وُجهت إليه ولرفاقه تهمة الخيانة العظمى. خلال محاكمة ريفونيا الشهيرة، ألقى مانديلا خطابًا تاريخيًا من قفص الاتهام استمر أربع ساعات، وقال فيه كلماته الخالدة:”لقد حاربت هيمنة البيض، وحاربت هيمنة السود. لقد تمسكت بمُثل مجتمع ديمقراطي حر يعيش فيه الجميع معًا في وئام وبفرص متساوية. إنه مَثَلٌ آمل أن أعيش من أجله وأحققه. ولكن إذا لزم الأمر، فهو مَثَلٌ أنا على استعداد للموت من أجله.”
- سنوات جزيرة روبن: حُكم عليه بالسجن مدى الحياة وقضى 18 عامًا في سجن جزيرة روبن آيلاند القاسي، حيث كان يقوم بأعمال شاقة في مقلع للحجر الجيري. لكن حتى في السجن، لم يتوقف عن النضال؛ حوّل السجن إلى “جامعة مانديلا”، حيث كان يعلّم السجناء وينظمهم، وتحول إلى أقوى رمز عالمي للمقاومة.
5. الحرية والرئاسة: بناء “أمة قوس قزح”
في 11 فبراير 1990، خرج مانديلا من السجن رجلًا حرًا، لكن مهمته لم تكن قد انتهت.
- مفاوضات شاقة نحو الديمقراطية: قاد مفاوضات معقدة مع الرئيس دي كليرك لإنهاء نظام الأبارتيد وتجنب حرب أهلية طاحنة. هذه الجهود كللتهما بالحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1993.
- أول رئيس ديمقراطي: في 10 مايو 1994، وبعد أول انتخابات ديمقراطية شاملة في تاريخ البلاد، أدى نيلسون مانديلا اليمين كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
- سياسة المصالحة والتسامح: كانت رئاسته نموذجًا في الحكمة. بدلًا من الانتقام، دعا إلى المصالحة. من أبرز إنجازاته:
- لجنة الحقيقة والمصالحة: آلية فريدة للتعامل مع جرائم الماضي، حيث يمكن للجناة الاعتراف بجرائمهم للحصول على العفو، مما سمح للبلاد بمعرفة الحقيقة والبدء في الشفاء.
- كأس العالم للرجبي 1995: استخدم هذا الحدث الرياضي لتوحيد الأمة، حين ارتدى قميص منتخب الرجبي (الذي كان رمزًا لهيمنة البيض) ودخل إلى الملعب، في لفتة رمزية أبكت الملايين ووحّدت السود والبيض خلف علم واحد.
6. الإرث الخالد: الدروس المستفادة من حياة ماديبا
تقاعد مانديلا عام 1999، لكنه ظل صوتًا للضمير العالمي، حيث أسس “مؤسسة نيلسون مانديلا” وركز على مكافحة الفقر ومرض الإيدز. توفي في 5 ديسمبر 2013، لكن إرثه لا يزال حيًا.
إن ملخص حياة نيلسون مانديلا ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو شهادة على أن الإيمان الراسخ بالعدالة، والشجاعة في وجه الظلم، والقدرة على التسامح، يمكنها أن تهدم أعتى الأنظمة وتصنع مستقبلًا أفضل للإنسانية جمعاء.