معارف ومعلومات

الديماغوجية: فكرها ونشأتها وكيف تصطدم الغوغائية مع الديمقراطية

من المعروف أن الديمقراطية تعني حكم الشعب، فأصحاب الرأي الأول والأخير فيمن يحكم هذا الشعب هم أفراد الشعب أنفسهم، والغوغائية أو الديماغوجية مصطلح سياسي يعني أن يلجأ زعيم سياسي قد ينتخبه هذا الشعب لمخاطبة مشاعر الجماهير، ومخاوفها، ويستغل هذا الزعيم جهل طبقات الشعب تلك؛ للترويج لوصوله إلى السلطة، بناءً على محاربته للمخاوف والتحيزات الفكرية التي ينتقدها.

فكر الديماغوجية

إن الأفكار الغوغائية تتصادم مع آليات الحكم الديمقراطي، التي تعني الأخذ بمبادئ الشورى، والنقاش الموضوعي. وبالتالي فإن الديماغوجيين يقفون ضد الشورى والمداولات، التي هي مبدأ الحكم في الديمقراطية. كما يصعِّد أصحاب الأفكار الديماغوجية من النبرة الساخرة ضد السياسيين المعتدلين، بل ويتهمون هؤلاء السياسيين، ومن سار على نهجهم من المفكرين بالضعف، ويدعون إلى حل المشكلات وأزمات الوطن بالعمل الفوري والعنيف.

نشأة الغوغائية

كانت بداية ظهور ونشأة الديماغوجية في أثينا عاصمة اليونان قديمًا، وكان نظام الحكم فيها ديمقراطيًّا. وحيث إن الديمقراطية تعطي الحكم للشعب. فإن الديماغوجيين استغلوا هذه الثغرة في مخاطبة مشاعر تلك الطبقة الكبيرة من الشعب. وهي الطبقة الدنيا؛ إذ خاطب الديماغوجيون تلك الشريحة من المجتمع، وبثوا فيها مشاعر وهمومًا مشتركة.

ومما يؤكد ذلك أن الكلمة اليونانية (ديماغوجي) تعني: زعيم عامة الناس. وفي بدايتها لم تحمل تلك الكلمة لدى اليونانيين صفة أو معنى سلبيًّا أو سيئًا. ولكنها تطورت وفق ما ذكر سالفًا حول نفعها في استغلال عامة الشعب، من قبل ذلك النوع السيئ والمزعج من الزعماء أو القادة.

الديماغوجية والأرستقراطية

عندما كانت تجري الانتخابات في الديمقراطيات القديمة، كانت الكفة ترجح لصالح الطبقة الأرستقراطية وبروتوكولاتها، التي عادة ما تميل إلى صالح اللياقة في التشاور والمداولات.

أما الديماغوجيون، فكانوا على العكس من ذلك؛ فهم نشأوا في الطبقات الشعبية. ودعوْا إلى حلول وإجراءات عنيفة وفورية، دون الرجوع إلى مبدأ الشورى وتداول الآراء أو النقاشات.

خاطب أصحاب التوجهات الديماغوجية مشاعر الطبقة الفقيرة والجاهلة من العامة. وسعوْا إلى الحصول على السلطة، ونشروا الأكاذيب من أجل استغلال مشاعر الأميين القوية، التي تؤجج الهستيريا، وتقصي المفكرين الهادئين عن المشهد. وتتهم المعارضين الذين ينهجون نهجًا معتدلًا بانعدام الولاء لأمتهم، وضعفهم في مواجهة الأزمات. وأخيرًا طلب الديماغوجيون دعمًا شعبيًّا في مواجهة خصومهم السياسيين، ومن لا يعتنقون مبادئهم.

الغوغائية والصدام مع الديمقراطية

على الرغم من أن العادة في النظام الديمقراطي أن يقدم السياسيون بعض التنازلات من أجل الأمة. ويدينون لها بتقديم الحقيقة كاملة أو جزءٍ منها على الأقل. فإن الديماغوجيين ركزوا على استمرارية تقديم الدعم الشعبي لهم من الطبقات التي يخاطبون مشاعرها لا عقولها. دون أن يلجؤوا إلى ضبط النفس، ويعد أصحاب التوجهات الغوغائية تلك عبئًا على النظام الديمقراطي منذ أثينا القديمة، وإلى يومنا هذا. لذلك دائما ما تصطدم الديماغوجية بنظام الحكم الديمقراطي.

وإذا عدنا إلى البداية الأولى للديمقراطية. فإننا سنجد أنها تأسست من أجل الحفاظ على قدر كبير من الحرية والمرجعية الشعبية. للحيلولة دون تسلط الحكومات على عامة الشعب. وكذلك الرقابة الدائمة من الطبقات الشعبية التي هي مصدر السلطات على عمل تلك الحكومات.

ونسوق هنا تحليلًا مبسطًا وقاطعًا للمؤرخ اليوناني بوليبيوس، الذي قال فيه:

إن نقصًا كبيرًا يعتري الديمقراطية، ويجعلها تتحلل وتختفي من الوجود الإنساني في حالة وجود الديماغوجيين. لأنها تؤدي إلى ظهور الحكومة العنيفة ذات القبضة المتسلطة والقوية؛ مما ينتج عنه في النهاية شغب الجماهير والمنفى وحدوث المذابح.

وأخيرًا نؤكد أنه وطوال التاريخ السياسي استخدمت كلمة ديماغوجي أو غوغائي لوصف ذلك الزعيم السياسي الذي ينتهج الخبث والتلاعب والتعصب والاستغلال والاستخفاف به.

قد يهمك أيضا ما هي البراجماتية وما هي تصوراتها للحقائق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!