التاريخ والحضارة

سجن الباستيل معتقل الأدباء والسياسيين

يمثل الرابع عشر من يوليو، كل عام اليوم الوطني في فرنسا. إذ يحتفل الفرنسيون بيوم الباستيل، وسط ابتهاج من الألعاب النارية والأصوات التي تصدح من داخل شوارع باريس وحتى برج إيفل. وهذا اليوم يمثل احتفالا بإحياء الذكرى السنوية الخاصة بسقوط سجن الباستيل الذي سقط عام 1789م. وقد حدث بفعل ثوار فرنسا في تلك الفترة الذين أعلنوا تمردهم على الملك الفرنسي. في الحقيقة كان سقوط معتقل الباستيل، هو بمثابة الحقيقة الملموسة التي تؤكد نجاح الثورة الفرنسية. والتي كانت شرارة تغيرات جذرية في مختلف دول أوروبا.

تميز سجن الباستيل بسمعة سيئة للغاية كانت تخيف الناس. وذلك بفعل الظروف الأكثر سوءً التي تعرض لها السجناء داخل هذا المحبس المخيف. كما ترددت أقوال عدة حول عمليات التعذيب والقتل التي كان يتعرض لها المعتقلون. وقد أصبح السجن أحد رموز الشر والظلم في عهد فرنسا الملكية. وفيما يلي سوف نعرض لك جملة من المعلومات المدهشة والغريبة حول محبس أو معتقل الباستيل.

تأسيس سجن الباستيل

تم تأسيس إصلاحية الباستيل في فرنسا، بين سبعينات وثمانينات القرن الثالث عشر. ويقال أن المعتقل كان جاهزا عام 1380، تحديدا، وهو لم يكن بالأساس سجناً. بينما قام الملك شارل الخامس بإصدار أوامر تأسيسه حتى يكون حصناً للبلاد. تتحامى فيه من مخاطر العدوان عليها لا سيما الدفاع عن الناحية الشرقية من العاصمة باريس. وذلك عندما كانت فرنسا وإنجلترا قد دارت بينهما حرب المئة عام. التي بدأت من القرن الثالث عشر، وانتهت بعد منتصف خمسينيات القرن الرابع عشر.

أخذ حكام فرنسا واحدا تلو الآخر يزيدون من التحصينات الخاصة بالمحبس وتوسيعاته وبانتهاء الحرب تم استخدامه كمضيفة عملاقة لاستقبال الضيوف من الملوك والرؤساء. لكن بحلول الملك هنري الرابع غير طريقة استخدامه حيث استعمله كخزينة خاصة بالملك، وذلك في عام 1589م.

قد يدور في ذهنك الآن التساؤل حول حرب المائة عام التي استخدم فيها سجن الباستيل، كحصن أو قلعة، بانتصار الإنجليز على الفرنسيين في واحدة من معارك حرب المائة عام وهي معركة أجينكورت، قام الإنجليز باحتلال باريس لمدة وصلت إلى 15 سنة، حيث تمركزت القوات الإنجليزية المحتلة آنذاك في محبس الباستيل، بالإضافة إلى الكثير من الأماكن الأخرى في فرنسا مثل متحف اللوفر أيضاً وكذلك قلعة شاتو دي فينسين، وبحلول عام 1588م، وقع مكان الاحتجاز، تحت قبضة جيش رابطة الكاثوليك، وظل تحت الاحتلال حتى عام 1592م، وكان ذلك خلال حروب فرنسا الدينية.

الباستيل لم يكن سجنا

البعض يظن بالفعل أن الباستيل، كان سجناً منذ أن تم تأسيسه. لكنه لم يستخدم كسجن إلا في فترة القرن السابع عشر. حينما كان يتولى عرش فرنسا الملك لويس الثالث عشر. أي أنه استخدم كمحبس بعد مرور 300 عام من تأسيس الباستيل. وقد تم استخدامه بهدف الزج بالمعارضة ورموز السياسيين المخالفين للنظام الحاكم. والذين يحرضون ضد النظام الملكي في فرنسا، وذلك بأوامر من الكاردينال دي ريشيليو.

أشهر مساجين الباستيل

الكاتب الفرنسي فولتير أشهر مساجين الباستيل
الكاتب الفرنسي فولتير أشهر مساجين الباستيل

يعد الكاتب الفرنسي الراحل فولتير Voltaire، هو أحد أبرز مشاهير فرنسا الذين تم الزج بهم في سجن الباستيل. وتم سجنه حوالي أحد عشر شهرا بسبب كتاباته عام 1717م. وقد اشتهر فولتير، بنقد السلطة الحاكمة بطريقة ساخرة. كما كان يدافع عن قضايا حقوق الإنسان وحرياته. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم حبسه فيها، بل تم احتجازه مرة أخرى بحلول عام 1726م. وقد تم إطلاق سراحه بعد ذلك لكن اشترطت عليه السلطة الفرنسية مغادرة وطنه والسفر إلى إنجلترا.

يعتبر ماركيز دي ساد Marquis de Sade، أحد كتاب الرواية في فرنسا، الرجل الثاني الأكثر شهرة الذي تم سجنه في سجن الباستيل. وقد تم توجيه إليه تهمة مبالغ فيها وهي اعتبار رواياته لا أخلاقية. اعتمد هذا الاتهام على تعميم مفهوم مخالفة الأعراف الدينية الفرنسية وكذلك مخالفة القانون الفرنسي. وبحلول عام 1789م، تم إطلاق سراحه من المعتقل.

سجن الطبقة الأرستقراطية

أخذ الناس عن سجن الباستيل، أنه معتقل خاص بالأدباء ومفكري فرنسا وسياسييها. وكذلك معتقلا للمثقفين فيها، وكل من يرغب النظام في احتجازه بدون محاكمة. ومن الغريب في هذا المحبس أنه تم سجن أفراد تنتمي إلى الأسر الأرستقراطية الفرنسية. وكان هؤلاء قد قاموا بجرائم صغيرة؛ مما أدى إلى الزج بهم في هذا زنازين المعتقل. وذلك ليحافظوا على سمعة عائلاتهم، ولهذا السبب على وجه التحديد كان النظام الحاكم في فرنسا يرغب في إغلاق هذا السجن.

محبس الباستيل في عهد لويس السادس عشر

اتسمت زنازين المعتقل، في عهد الملك لويس السادس عشر، بالأقل في الحدة والأفضل في معاملة المحتجزين والموقوفين بداخله. وقد اتجه الملك إلى هذه السياسة بهدف تقليل حدة الضغط الشعبي من الجمهور الفرنسي. وذلك بسبب الانطباع السيء الذي أُخذ عن السجن في الفترات السابقة من تعذيب وغيره خاصة فترة ما قبل الثورة الفرنسية.

قام الملك لويس السادس عشر، بتخصيص مبلغ قدره 10 ليفات، تصرف لكل سجين. بحيث تشمل ما يحتاجه من طعام وكسوة، بالإضافة إلى السماح للمحتجز داخل الباستيل، باستقبال العديد من الزائرين له يوميا. وقد أتيح للمعتقل جلب أثاثه الخاص بالمنزل كما أمر لويس، بعمل مكتبة خاصة بالموقوفين.

مقترحات تغيير معتقل الباستيل

بالرغم من التحديثات المتعددة التي قام بها لويس السادس عشر. إلا أن سمعة سجن الباستيل، ظلت سيئة خاصة بين الجمهور الفرنسي. وكان عامة الشعب يعتبرون المحبس أحد رموز الظلم والقهر.

عرض كوربيت، الذي كان يشغل منصب مفتش البلدية في باريس، فكرة من شأنها امتصاص غضب الفرنسيين، بخصوص مكان الاعتقال. وكانت الفكرة هي تحويل الباستيل، من مكان احتجاز للموقوفين إلى ساحة شعبية. وجاء اقتراح آخر من قبل حاكم السجن بفكرة تجريف الباستيل، بالإضافة إلى نقل المحتجزين. كانت كل هذه المقترحات تحت الدراسة.

تعرض سجن الباستيل، للاقتحام من قبل مواطنين فرنسيين، كما انضم لهؤلاء المقتحمين جنود من الجيش الفرنسي، الذين قد أعلنوا تمردهم على سياسة النظام الحاكم، ثم قام المقتحمون بالاستيلاء على الذخيرة الموجودة بالمحبس، إضافة إلى تحرير جميع المعتقلين به.

اتخذت ثورة فرنسا من حدث الاقتحام رمزا تحفيزيا وثوريا ضد النظام الملكي، وقد اكتشف الثوار بعد دخولهم السجن أنه لم يتبق سوى 7 أسرى فقط، وهم سبق تورطهم في جرائم بالفعل.

لماذا اقتحم الفرنسيون سجن الباستيل؟

اقتحام سجن الباستيل
اقتحام معتقل الباستيل

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو السبب الذي جعل المواطنين والجنود يقتحمون زنازين المعتقل؟ فهو لم يكن بالأساس تحرير الأسرى، لكن كان بهدف الاستيلاء على السلاح والذخيرة والبارود الذي كان يوجد بالسجن، وذلك نظرا لحاجة الثوار في وجود أسلحة يمكنهم الاعتماد عليها في استمرار ثورتهم ومقاومتهم للظلم الذي يتعرضون إليه، رغم أن هذه المحاولة لم تكن الأولى للبحث عن وسائل تضمن لهم وجود السلاح.

فقد اقتحموا قبل سجن الباستيل، مستشفى آخر ولكنه كان خاصاً بالجنود الفرنسيين بالعاصمة باريس، وتمكنوا من الاستيلاء على ما يقرب من 3000 بندقية، لكن بالطبع هذه الأسلحة لم تكن كافية إضافة إلى ضعف قوتها من حيث الاستخدام مقارنة مثلا بقوة البارود، وكان محبس الباستيل يوجد به مخزن من كبرى مخازن البارود في فرنسا.

في الواقع يعتقد الكثيرون أن فرنسا تطلق اسم يوم الباستيل، على يوم اليوم الوطني الخاص بها، وهذا ليس صحيحاً، إذ إن الرابع عشر من يوليو في كل عام يطلق عليه الفرنسيون اسم La Fête Nationale، ويمثل هذا اليوم مناسبة تاريخية هامة، وتعرف باسم العيد الوطني الفرنسي، ويتزامن هذا اليوم مع الاحتفال بمهرجان الاتحاد السلمي الفرنسي، ومناسبة هذا المهرجان هو الاحتفال بالثورة الفرنسية.

اليوم الوطني الفرنسي

يحتشد الفرنسيون في الساحات ويقدمون العروض العسكرية. ويختص حي الشانزليزيه بعرض عسكري من نوع خاص يعتبر عرضا عسكرياً قديماً عالمياً. ويفتتح العرض أصوات قرع الطبول بوصول الحاكم الفرنسي. ومن ثم يستمر الاحتفال بمشاركة الطائرات المروحية بعروضها العسكرية المتنوعة.

ماذا يوجد الآن مكان سجن الباستيل؟

ساحة الباستيل مكان سجن الباستيل
ساحة الباستيل مكان معتقل الباستيل

تم تحويل الباستيل من سجن إلى ساحة. كما تم إنشاء دار أوبرا موسيقية بداخلها تعرف باسم Opéra Bastille. وظهر سجن الباستيل تحول إلى قوارب للترفيه، يلتف حوله المطاعم والمقاهي.

المراجع:

اقرأ أيضا: جان دارك Joan of Arc: من هي القديسة الفرنسية التي أحرق الإنجليز جثتها مرتين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!